وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام ساحة معركة العصر
وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام ساحة معركة العصر
لم تعد الحروب تُخاض فقط بالرصاص والدبابات وغير ذلك، بل أصبحت تُخاض بالأفكار والكلمات، عبر الشاشات والهواتف، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
من يمتلك هذه الوسائل بقوة ووعي، يمتلك سلاحًا لا يقل فتكًا عن الجيوش.
لذلك، أرى أن التمكّن من الإعلام الرقمي اليوم واجب وطني وحتمي، وليست مهمة بسيطة يستهان بها.
لماذا؟
لأن العدو، سواء كان عدواً مباشراً أو من خلال وسيط يستخدم هذه المنصات أخطر استخدام:
يبث من خلالها الشك والقلق والخوف والرعب، وينشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، ويزرع الفتنة بين مواطني الدولة الواحدة، ويحرّض على التمزق، ويُسقِط الدول من الداخل دون إطلاق رصاصة...وغير ذلك.
للأسف، فإن أعداء الشعب السوري في الداخل والخارج متربصون، يعملون ليل نهار مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت لا غنى من استخدامها من قبل الناس هذه الأيام كالهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر من أجل استنزاف جهود الشعب وتوجيه اهتماماته عن بناء وطنه، وعن تنشئة نفسه وأسرته، وعن بناء الدولة في كافة مناحي الحياة، بل يحاولون جره خلف السراب والأكاذيب التي ينشرونها، ويلعبون كذلك لإضعاف اللحمة الوطنية وبث الفرقة الطائفية والعرقية المقيتة بين أبناء الوطن الواحد، على مبدأ فرق تسد.
مع أن أبناء الوطن الواحد يعيشون جنباً إلى جنب منذ مئات السنين، يأتيك أحدهم من على بعد آلاف الأميال يفتن ويحرض ويوقع بينهم.... كيف؟ من خلال ضعاف النفوس يشترون ذمم الأشرار والأغبياء والحمقى منهم، الذين لا يعيرون أي اهتمام للنسيج المجتمعي الواحد، بل يفكرون في مصالحهم الشخصية الضيقة متناسين أنهم يمثلون طائفتهم أو قومهم مما يؤدي إلى معاناة أتباعهم في كل مناحي الحياة ويرمون حياتهم إلى التهلكة والتمزق وتفتيت العقد الاجتماعي من حيث يدري كبارهم أو لا يدرون.
إن أي وطن، جميل بما فيه من مكونات مجتمعية عرقية، دينية، جميل مع كل اختلافاتهم في الرؤى والعقائد، فهم يشكلون الفسيفساء الواحدة الموحدة. أما في حال إصرار رأس مجموعة من بعض تلك الفئات، على لعب دور هدام مما قد يؤدي إلى تقسيم الوطن الواحد التي لا فائدة منه لأي مجموعة بل وستصب لا قدر الله في مصلحة أعداء الوطن، فإنهم مع مرور الزمن سيكتشفون أنهم أخطأوا خطأ كبيراً بانجرارهم وراء السراب والوعود الكاذبة لأسيادهم وبذلك يخسرون مؤيديهم ومستقبلهم، فالقطار يمشي وكل من يتأخر في الصعود إليه، يسقط في هاوية الدمار والخيانة والخذلان لن يتذكرهم التاريخ إلا بالسوء.
فإمّا أن نكون أقوياء في هذه الساحة، أو نُترك لقمة سائغة في معركة الوعي.
لأن معركة الوعي أخطر من معركة السلاح، والانتصار فيها يحتاج إلى رؤية واضحة، وأدوات فعّالة، وناس مؤمنين بالقضية ومدافعين عنها يقدمون الغالي والنفيس في سبيل الوطن والمواطن ومستقبله.
يمكن لأحدهم أن يسأل، إذن كيف السبيل إلى ذلك؟
هذا سؤال في محله، يمكن تناوله من جانبين مهمين وهما الجانب النظري والجانب العملي وهما:
أولًا: الجانب النظري
لفهم المعركة وتحديد سُبل المواجهة.
إدراك طبيعة المعركة
هذه حرب على العقول، لا على الأجساد.
أدواتها: التضليل، التحريض، الأكاذيب، الشائعات، التحطيم النفسي، التطبيع، التشويه... إلخ.
هدفها: نزع الثقة بالنفس وبالقيم وبالمجتمع ..إلخ.
بناء وعي إعلامي شامل
كل شخص يجب أن يدرك كيف تعمل الخوارزميات، وكيف تنتشر الإشاعات، وما الفرق بين الخبر والتحليل والدعاية.
تعلّم التحقق من المعلومات (التحقق البصري + المصادر).
التحصين الأخلاقي والوطني
غرس قيم الحق والعدل والهوية والانتماء الحقيقي.
مقاومة الإحباط والتيئيس والشتائم... لأنها أسلحة تُستخدم ضدنا.
ثانيًا: الجانب العملي
كيف ننتصر ميدانيًا على وسائل التواصل.
صناعة محتوى هادف وقوي
إنتاج منشورات، مقاطع، تصاميم، بودكاست، تغريدات، ريلز قصيرة،... إلخ.
توظيف اللغة المؤثرة + الصورة الجذابة + الرسالة الواضحة.
التركيز على الحقائق مع إبداع العرض.
التواجد المنظَّم والفاعل
لا يكفي أن نكتب وننشر، بل نحتاج إلى:
فرق إعلامية رقمية.
نشر متزامن ومتناسق.
دعم متبادل (تعليق - مشاركة - رفع وسم).
التفاعل مع الجمهور وتوجيهه.
تعلم المهارات الرقمية
كل ناشط أو صاحب رأي أو مثقف أو طالب علم يجب أن يتقن:
تصميم الصور والفيديوهات.
تحرير المقاطع.
الكتابة التأثيرية (Copywriting).
استثمار خوارزميات النشر (الترند – التوقيت – الوسوم).
مواجهة المحتوى العدائي
تفنيد الشائعات بالأدلة والبساطة.
فضح حملات التشويه وشرح أهدافها.
عدم إعادة نشر الأكاذيب حتى للتعليق، إلا بتحصين الفكرة قبل تفنيدها.
تبني خطاب موحّد على الأقل في القضايا الكبرى.
بناء روايتنا نحن
لا نكون فقط في موقع الدفاع. نبني رواية متماسكة حول:
نضالنا.
حقوقنا.
تضحياتنا.
مشاريعنا للمستقبل.
أمثلة واقعية:
شخص واحد يُتقن تحرير فيديوهات قصيرة قد يصنع فرقًا بتوضيح قضية للرأي العام.
صفحة صغيرة بإدارة ذكية قد تسبق قناة تلفزيونية في التأثير.
حملة وعي وطنية على فيسبوك أو تيك توك قد تُفشل مشروع اختراق أو تشويه.
أمور أخرى يمكن التطرق إليها في وقت آخر.
خلاصة القول:
"الذي لا يملك الإعلام ووسائله، لا يملك صوته... ومن لا يملك صوته، سيدور في فلك عدوه وسيصرخ بلغة عدوه بل وقد يدافع عنه من حيث لا يدري".
فالتمكّن من الإعلام الرقمي واجب وطني محض لكل من أراد أن يُنقذ شعبه ويدافع عن الحق ويصنع التغيير.
