من سموم التربية: "اسكت، ودع الكبير يتكلّم!"
من سموم التربية: "اسكت، ودع الكبير يتكلّم!"
منذ نعومة أظفارنا، اعتدنا أن تُلقَى على مسامعنا عبارات مثل:
"عيب تقاطع الكبار!"
"من أذن لك بالكلام في وجودي؟"
"الكبير دائمًا على صواب، استمع فقط ولا تناقش!"
نشأنا على تصوّرٍ مغلوطٍ مفاده أن الاحترام يعني الصمت، وأن الطفل لا يملك حق التعبير عن رأيه أمام من يكبره سنًّا، حتى وإن كان ما يُقال ظلمًا بيِّنًا أو خطأً محضًا.
لكن، أيُّ احترامٍ هذا الذي يُبنى على قمع اللسان وتكبيل الفكر؟
إنه أدبٌ مُزيّف، يخنق روح الإنسان باسم الوقار.
🕊 في ميزان الشرع
كان النبي ﷺ قُدوة في الاستماع للصغار قبل الكبار. لم يكن يتجاهل كلامهم ولا يهزأ بآرائهم، بل يُحسن إليهم بالاستماع والتوجيه، مهما بدا قولهم يسيرًا أو خاطئًا.
روى البخاري أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
«كنت خلف النبي ﷺ يومًا، فقال لي: يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك...»
تأمّل! غلام صغير يتلقى تعليماً مباشرًا من رسول الله ﷺ.
وفي موقف آخر، قال النبي ﷺ لأحد الصبية في مجلس يضم كبار الصحابة:
«يا غلام، أتأذن لي أن أُعطي الكبار؟» – رواه البخاري.
فسأله الإذن، وهو طفل، مع أن الكبار أولى بالطعام عادةً… لكنه أراد أن يعلّمنا أدب الاستئذان واحترام رأي الصغير.
⚖️ والنتيجة التربوية؟
حين يُربّى الطفل على كبت صوته وقمع رأيه، ينشأ على شخصيّة مهزوزة، خائفة من المواجهة، أو يتحوّل إلى متمرد ناقم، يثور في وجه كل سلطة تربوية.
📌 فما الحل؟
علّم ولدك كيف يفرّق بين الوقاحة وحرية التعبير.
افتح له نافذة للحوار المؤدب، وأشعره أن رأيه مسموع، وصوته معتبر.
فإن أخطأ في الأسلوب، فقوّمه بلين، لا تكسره بحدّة.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، فقد خُلقوا لزمان غير زمانكم."
وقال الشاعر:
وينشأ ناشئُ الفتيانِ منّا … على ما كانَ عوّده أبوهُ
⬅️ فإن عوّدته الصمت المذلّ، نشأ خائفًا، وإن عوّدته التعبير الحكيم، نشأ قائدًا متزنًا.
